تعاملت أنقرة مع الأحداث في مصر باعتبارها هزة إضافية لسياسة تركيا الخارجية
محمد نوار
إذا كان هناك مكان واحد على وجه الأرض يمكن أن يرى أن الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي يوم 30 يونيو على إثر الانتفاضة الشعبية التي خرجت في كافة ميادين مصر، أنه انقلاب عسكري متكامل الأركان فإن هذا المكان سيكون تركيا.
تعاملت إسطنبول مع الأحداث في مصر باعتبارها هزة إضافية لسياسية تركيا الخارجية، حيث قطع أردوغان عطلته وعاد إلى العمل، وعقد اجتماعا مع كبار مساعديه وخلال 48 ساعة أطلق حملة قوية من الانتقادات ضد الغرب وخاصة أوروبا وأميركا، لعدم اعترافهم بأن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري على الشرعية ويتوجب عقابه.
ولم ينسَ أردوغان دعوة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي نشأ في بدايته كمكتب تنفيذي للإخوان ويضم في عضويته أفرع الجماعة في الدول العربية والأجنبية، فأمر بسرعة الانعقاد في بلاده لبحث تطورات الأوضاع في مصر وطرق مواجهتها، حيث ظهرت العديد من التقارير العربية تفيد باجتماع سري عقد لأفراد التنظيم الإخواني الدولي في إسطنبول. وقد ادعى التقرير لفضائية “سكاي نيوز عربية”، إنه خلال أسبوعين سيتم تنظيم حملات إعلانية دولية ضد القوات المسلحة والجهات الإعلامية المصرية وجميع من يعارضون الرئيس مرسي والإخوان بهدف خلق انقسامات داخل المؤسسة العسكرية أولا ومحاولة ظهور فتنة إعلامية ثانيا. ووفقا لهذا التقرير تحدد الوثيقة استراتيجية الاعتماد على المساعدة المالية والمخابراتية من دولتي قطر وتركيا، فضلا عن دعوة مختلف الدعاة في دول الخليج الذين يدعمون الإخوان ويتعاطفون معهم، للترويج بأن ما حدث في القاهرة انقلاب على الشرعية الانتخابية والدستورية.
انقلاب في تركيا
“كمال ميليت” كاتب سياسي بصحيفة “مونيتور” التركية قال إن أردوغان يشعر بأن ما حدث في مصر لم يكن إنقلابا على حلفائه فقط من جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه يرى أنه انقلاب في تركيا نفسها، نظرا لأنه كان يشعر دائما فور صعود الإخوان لحكم مصر أنها أصبحت ولاية عثمانية، كما يرى أردوغان أن الذين يدخلون السلطة عن طريق الانتخابات يجب أن يذهب سلطانهم عبر الانتخابات أيضا باعتبارها شرطا لازما لتحقيق الديمقراطية. بينما يصف رئيس الوزراء التركي احتجاجات بلاده في ميدان “تقسيم” أنها نتاج تدخلات أجنبية ومؤامرة دولية تسعى للإطاحة بالاستقرار والنهضة الاقتصادية في إسطنبول، كما أنه يتخوف من تكرار ما حدث في مصر ضده ولذلك قام بتعديل الدستور فورا وحدد صلاحيات الجيش بحماية البلاد من الأخطار الخارجية فقط.
مع سقوط جماعة الإخوان في مصر، فقدت تركيا الحليف الاستراتيجي الأكثر أهمية في العالم العربي، مما يجعلها واحدة من أكبر الخاسرين من الموجة الثورية الثانية في مصر، نظرا لأنها تتخوف من صعود السلفيين الذين يتجاهلون تركيا تماما وينظرون إليها أنها دولة علمانية، ولذلك يعارضون النموذج التركي. كما أن الرؤية السلفية لا تتفق مع حزب أردوغان، وبالتالي أصبحت خسائر إسطنبول متعددة الأوجه بعد أن كان الحصار على غزة والاعتداء على إسطنبول الحرية ومواقفها العدائية ضد إسرائيل، فرصة ممتازة لرفع مكانتها وشعبيتها في مصر، لكن مع سقوط حليفها المصري فقدت تركيا وسائلها السياسية في دخول غزة، أو تكوين جبهة موحدة مع الإخوان المسلمين في مصر؛ للتعاون المشترك في القضايا العربية، كما أصبح حلم أردوغان دخول غزة قد انتهى تماماً لأن الحكومة الجديدة برئاسة حازم الببلاوي لن تسمح له باستخدام الأراضي المصرية لدخول فلسطين، بل والأسوأ من ذلك فإن علاقات تركيا مع العراق والنظام السوري آخذة في التدهور والانهيار، ولم يتبقَ لأردوغان من جيرانه سوى اثنين فقط من العلاقات الجيدة هما حماس وإسرائيل- وبالطبع إنها نهاية مأساوية لحلم القيادة الإقليمية التركية في المنطقة.
أحمد السيد النجار، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قال إن سياسية تركيا الخارجية انتهت تماما مع سقوط الإخوان المسلمين، حيث كانت تعتمد في علاقاتها مع مرسي على أنه رجل ينفذ تعليمات التنظيم الدولي للإخوان القابع في اسطنبول ويأخذ مشورته الدولية والإقليمة وفق رؤية أردوغان.
وأوضح أن تركيا لا يمكن أن تضغط على مصر في أي من النواحي السياسية والاقتصادية. ووفقا للتقديرات المتداولة فإن الميزان التجاري بين البلدين بلغ نحو 4.2 مليار دولار، منها 3.9 مليار دولار صادرات تركيا إلى مصر، وحوالي 0.3 مليار دولار واردات القاهرة إليها، ولذلك فإن ضرر تركيا سيكون أكثر لو أرادت قطع علاقتها مع مصر، ليس هذا فحسب بل إن تركيا حالياً تستخدم الموانئ المصرية لتصدير بضائعها إلى دول الخليج وأفريقيا، خاصةً بعد أن أصبحت الأراضي السورية غير متوفرة للشاحنات التركية بسبب ما يدور هناك. وأكّد النجار إنه من المحتمل أن يواصل أردوغان التنديد بالإطاحة بمرسي لأغراض محلية تواجه السلطة السياسية من الجيش التركي، لكن في النهاية ستضطر تركيا إلى الرضوخ للوضع الراهن للحد من خسائرها في مصر، نظراً لأنها لا تملك القدرة على تغيير ميزان القوى الجديد في مصر.
اجتماع تنظيم الإخوان
من جانبه أوضح عماد جاد الخبير السياسي أن اجتماع التنظيم الدولي للإخوان تم بموافقة وعلم أردوغان، وهو من أمر بسرعة اجتماع قيادات التنظيم للرد على عزل محمد مرسي، نظرا لأن الطرفين خاسران؛ فالإخوان خسروا الحكم في لحظات وأيام معدودة بينما تركيا فقدت حليفا إستراتيجيا.
وأوضح أن النموذج التركي انهار تماما في أعين المصريين ولم يعد هناك مجال لنقل تجربتهم، حيث كان الأمل معقودا عند الإخوان، أثناء تولي مرسي الحكم في أردوغان، أن يساعدهم وينقل لهم تجربته في نهضة بلاده، لكن منذ وقوع أحداث وتظاهرات ميدان تقسيم بإسطنبول وتعامل رئيس الوزراء التركي معها بوحشية ووصفه للمتظاهرين بأنهم ينفذون مؤامرة خارجية وترديد نفس الشعارات التي كان يطلقها الحكام العرب، تيقن المصريون أن هذا الرجل مجرد محاضر فقط ويحب أن يلقي النصائح على الجميع باعتباره الملهم.
وفي رأي مايكل منير الناشط السياسي، أن تركيا تحتضن كافة القوى التي تعادي الأنظمة السياسية القائمة، فبعد وقوع الانتفاضة السورية فتحت أبوابها أمام قادة المعارضة وقيادات الجيش السوري الحر للاجتماع وبحث تفاصيل الخطوات القادمة، وبعد سقوط مرسي دعت قيادات التنظيم الدولي للاجتماع للرد الفوري على القوات المسلحة والشعب المصري بعد أن تجرأ الطرفان وأسقطوا الإخوان، موضحا أن تركيا أثبتت فشلها في سياساتها الخارجية. كانت تركيا تأمل في قيادة العالم العربي بعد أن سنحت لها الفرصة، لكن مع مرور الوقت تبيّن أن إسطنبول لا تختلف كثيرا في أطماعها عن الدول الغربية.
المؤامرات التركية
أثارت تصريحات المسؤولين الأتراك حول الأحداث في مصر إستياء في الأوساط المصرية التي اعتبرت ذلك تحديا لإرادة الشعب المصري. ودعا الناشط السياسي، محمود عفيفي، الخارجية المصرية إلى أن تكون أكثر وعيا وإدراكا لكافة المؤامرات التركية التي تحاك ضد الشعب المصري بمعاونة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وما حدث من اجتماعات سرية برعاية أردوغان يوضح أن الإخوان يبحثون كيفية الاستعانة بالخارج لإثارة الفتن إعلاميا ضد تماسك القوات المسلحة لإحداث انشقاق عسكري مثل سوريا.
أما نبيل نعيم، القيادي الجهادي السابق، فيؤكد، أن قادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عبارة عن مجموعة من عملاء المخابرات العالمية، يسعون إلى تنفيذ مخططات إسقاط الأنظمة السياسية في الدول العربية، إرضاء للولايات المتحدة الأميركية لعمل ما يسمى خارطة الشرق الأوسط الجديدة. وأوضح أن الإخوان المسلمين لن يسيروا في نطاق التهدئة وسوف يسعون إلى عرقلة القوات المسلحة في تنفيذ خارطة الطريق التي أعلنتها إبان عزل محمد مرسي، وطريقة الإخوان في ذلك الاعتماد على رجال المخابرات الموالين لهم في التنظيم الدولي ومن يساعدوهم على إحداث الحراك الطائفي في البلاد.
تعليقات
إرسال تعليق