الرأسمالية تقتل الشفافية
الفساد ..السر في انهيار المنظومة الاقتصادية العالمية
إضعاف الرقابة على الشركات يقود لانهيارها
المعايير المحاسبية تكبح من القساد الاقتصادي
الأزمة المالية بدأت بسبب تلاعب الإدارة في معايير التقييم والمحاسبة
المقدمة : -
في عام 2008 ضرب زلزال اقتصادي بدأ من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود الاقتصاد العالمي لتصل تداعيات زلزال الأزمة المالية إلى أغلب دول العالم بادئة من الاقتصاديات الأهم والأغنى المرتبطة ارتباطا مباشرا بالاقتصاد الأمريكي مثل دول الاتحاد الأوروبي واليابان لتمتد بعدها إلى بقية دول العالم، ولتستمر الأزمة العالمية حتى اللحظة الراهنة واضعة عشرات من علامات الاستفهام حول ممارسات النظام الرأسمالي وأهمها ارتباط رأس المال بإدارات الحكم، ومحابات الشركات الكبرى، وقلة الرقابة على الممارسات الإدارية الداخلية التي تحكم النظام الرأسمالي مثل الاحتكار واستخدام مؤسسات الدولة لتسيير أعمال شركات ومصالح بعينها.
فرضية البحث الأساسية تتعلق بتحديد الأسباب المباشرة والغير المباشرة التي أدت للأزمة المالية العالمية. وهل هذه الأسباب –خصوصا المباشرة منها—تتعلق ببنية النظام الرأسمالي وجوهره وفكرته الفلسفية، أم تتعلق بمستوى الإجراءات والتنزيلات التشريعية والقانونية التي تسير وتتحكم في العملية ذات نفسها.
البحث سيبدأ بالحديث عن تطور الاقتصاد الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى، ثم إصابته بضربة قوية خلال الأزمة العالمية الأولى التي بدأت أواخر عشرينات وأوائل ثلاثينات القرن العشرين فيما عرف حينها بفترة «الكساد الكبير » وهي الفترة التي انهارت فيها بورصات الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الأولى مباشرة لتصاب بشلل اقتصادي، وليمتد هذا الشلل إلى جميع أنحاء أوروبا. وكانت ظروف الأزمة العالمية الأولى فلسفة وإجراءات مشابهة إلى حد كبير ظروف الأزمة العالمية الحالية لتفرض الأزمة الأولى منهجا جديدا في إدارة اقتصاديات العالم بعد ظهور « النظرية الكينزية » التي أعطت وضعا للدولة عبر تدخلها في السوق، ومن ثم تأخذ الأزمة الثانية نفس المسار والتي يتبعها أطروحات عدة حول إعادة شكل إدارة منظومة الاقتصاد العالمي الذي وقع في هوة أزمة اقتصادية تكاد تسحق معها عدة دول بأكملها.
الهدف من البحث :
يهدف البحث إلى التعرف على طبيعة الأزمة العالمية التي ألمت باقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية والاقتصاد العالمي، واستقراء ووضع معالجة نقدية لها قائمة على محورين؛ قراءة نقدية للإجراءات التي يتم بها تسيير المنظومة الاقتصادية الرأسمالية وهل ألمت بها عمليات فساد وعدم نزاهة من عدمه، والثانية قراءة في جوهر وطبيعة الاقتصاد الرأسمالي وهل هو السبب الحقيقي في حدوث الأزمة العالمية وتطورها بغض النظر عن التجلي الإجرائي لتشريعات والماكينة الإدارية للمنظومة الرأسمالية.
الأزمة المالية العالمية لن تكون الأولى وفي نفس الوقت لن تكون الأخيرة ويحاول البعض إرجاعها لجملة من الأسباب الفنية مثل شح السيولة وعجز المقترضين وتسهيل مبالغ فيه من قبل المصارف لإعطاء ديون بدون ضمانات كافية والبعض الآخر سيحاول إرجاع سبب الأزمة لجوهر وصلب الفلسفة الرأسمالية ذات نفسها.
لذا سنحاول هنا في هذا البحث تحديد هذه الإشكالية ووضع رؤية حول أزمة الرأسمالية من ناحية منظومتها من جهة، ومن جهة أخرى سنحاول التركيز على العمليات الفنية الخاطئة التي ابتعدت عن النزاهة والشفافية والقواعد والمعايير المحاسبية.
ففي الوقت الذي فلا يمكن بحال إغفال جملة من الممارسات الخاطئة خاصة بالإدارة السيئة للمعايير المحاسبية الدولية التي استخدمتها الشركات العملاقة وبالأخص الشركات الأمريكية للتلاعب في الأرباح وتضخيم الأصول أدت لكونها سببا من الأسباب المباشرة في نشوء هذه الأزمة، إذ كانت هذه المعايير بمثابة الثغرة التي تم استغلالها من قبل الإدارات للتلاعب في جملة عمليات رقابية ومحاسبية كانت سببا أساسياً في انهيار البورصات وشركات التأمين الأمريكية.
الممارسات السيئة لفتت النظر إلى أهمية مراجعة هذه المعايير، إذ أثبتت المعايير التي تلتزم بها المؤسسات المالية والمصرفية أنها تعاني من خلل يتوجب الاحتياط لتغييرها لتحسين مستوى النزاهة والشفافية في الأسواق، وان لا تعتمد عملية إصدار هذه المعايير على المعايير المحاسبية الأمريكية كأساس لها، وأن يتم إعادة النظر بالمعايير المعتمدة حاليا مع التطرق لمعايير جديدة لغرض التوصل إلى إعداد قوائم مالية ذات شفافية عالية جدا مع إصدار التعليمات التي تساعد في تطبيق تلك المعايير.
تعليقات
إرسال تعليق