الأحد 04 آب (أغسطس) 2013
من بين أنقاض البلد الذي دمره؛ أطل بشار الأسد من بين الشقوق، بشفتين قانيتيْ الاحمرار، لكي يعلن عن انتصار وشيك. قال هو ذلك، وإن لم يكن الانتصار ناجزاً، فإنه حسب رؤية بشار الأسد، سيكون من تحصيل الحاصل، إذ لم يتبق على إنجازه، سوى مئة ألف ضحيّة، مطعَّمين بالأطفال، مع بضعة ملايين من الأمتار المربعة من العمائر التي ما تزال واقفة. فكل ذلك يهون، من أجل عيونه ومن أجل رئاستة، ولكي ينام أبوه قرير العين، وهو الذي قضَّ مضاجع السوريين وسرق النوم من عيونهم، وأدماهم، وأغلق السجون طويلاً على أحرارهم، ومنهم من كانوا رفاقه ومن أصحاب الفضل عليه!
كيف لا ينتصر، وهو قاهر كل الأعداء. هو يقول ـ دون أن يرى ـ ما معناه أن هؤلاء الأعداء جميعاً، يجربون الآن مرة أخرى، ويتكالبون عليه، وقد أوشكوا جميعاً على الانهيار. فقد أوصلهم غباؤهم الى مقارعة الأسدية مرة أخرى، وينالهم الآن منه مثلما نالهم من أبيه: الفضيحة والهزيمة والنصر العربي المؤزر بقيادة السلالة الأسدية!
في هذه الصورة، كل شيء يتبدى كذباً. ثمة حقيقة واحدة هي التي تتأكد يومياً، وهي أن شعب سوريا الشقيق الحبيب الخلاّق، بأقداره وأوقاته وأرزاقه ومدارس أطفاله وأمنهم؛ بات هو القربان، ذبيحاً، مدمى، معذباً، مشرداً في وطنه وفي خارجه. فلا أعداء لبشار الأسد سوى هذا الشعب. أما الآخرون، فإن أضعفهم وأقلهم استعداداً للتكالب عليه، في مقدوره خلال نصف ساعة لا تزيد، إحالة الأسدية بقضها وقضيضها وجيشها الطائفي وشبيحتها، الى مزبلة التاريخ!
لم يفلح الشبل من ذاك "الأسد" في شيء، وإن كانت مفاعيل نيرانه، أفلحت في تخليق بعض أعدائه. حضرت "الجهادية السلفية" صنيعة زيبغينيو بريجنسكي (مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس جيمي كارتر) لزوم هز عرش الشيوعية السوفياتي توطئة لإسقاطه. وبحضور هذه الذميمة النفسية والمسلكية والفقهية في المشهد السوري الكارثي؛ بات الأمريكيون أشد رغبة في استمرار الحرب التي وقودها سوريا وشعبها، لتحقيق "أجمل" الغايات بالنسبة لهم: جرّ أوغاد "القاعدة" الى الأتون، لكي يتكثف حشدهم فيحترقون بالجملة، لأنهم لم يحفظوا "الجميل" الأمريكي الذي ساعدهم على خلع السوفيات، وجرّ الأصولية الإيرانية معها، الى ذات الأتون، لكي تحترق مؤخرتها فتفاوض كسيرة، حول الملف النووي والخليج ومواصلات البترول، ولكي تتحول المنطقة العربية قاطبة، عن وحدتها الوجدانية، فتنشغل شعوبها، فرادا، بتخليع الأشواك بأيديها، من أقدامها ومن جنباتها، مستجدية عون كل مُعين، دون أن يفكر أيٌ منها في عون شقيق أو صديق، هذا إن لم تنصرف الطوائف والمناطق، على تخليع الشوك بنفسها دونما اكتراث بطوائف ومناطق أخرى، من شعبها ومن بلدها!
كل ذلك من أجل عيون ابن حافظ الأسد ولكي تدوم رئاسته، ولكي يبقى حاضراً يمُتّع السوريين بتفاحصه وتفلسفه وفذلكته، ولا يظل، في سوريا، ظِلٌ إلا ظله!
الدم نفسه، لم يعد له قيمة في المنطقة العربية، فما بالنا بالألم. ويرثي واحدنا لحالنا، حين يستمع الى نداء فلسطيني، بالتدخل "الفوري والعاجل للأمتين العربية والإسلامية" لإنقاذ تخوم قرية فلسطينية من هجمة مهووسين مستوطنين وحوش. فمن ذا الذي سيكترث بمصير خراج قرية، فيما الوطن يحترق مع أهله في سوريا؟ من الذي سيلبي النداء، إن قال واحدنا قولاً سديداً، يتعلق بأسير يحتضر في سجون الصهيونية، ويناشد فيه أمتين، لإنقاذ أسير، وهما صارتا أمماً تفرعت الى قبائل، لكي يحكم المستبدون؟!
عندما قاد عبد الكريم النحلاوي مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر في سوريا، انقلاباً على دولة الوحدة التي كان يحلم جمال عبد الناصر بتحققها، لكي يرثها العرب من بعده (وليس أبناءه الورثة الشخصيين) ولكي لا يستقوي علينا المستعمرون؛ أرسل عامر قوات الصاعقة المصرية عن طريق البحر، للإجهاز على الانقلاب الذي كان ضعيفاً ويمكن الإجهاز عليه. ولما علم جمال عبد الناصر الذي لم تكن له علاقة مباشرة بالجيش، أمر بأن تسلم القوات المصرية نفسها وسلاحها للانقلابيين وتعود. علل ذلك قائلاً:"إن أمل الوحدة نفسه، وهو أغلى الأمنيات، لا يساوي قطرة دم عربية تسيل، في اقتتال بين الجنود العرب". وهكذا كان!
اليوم مضى على سوريا ثلاث سنوات وهي في الأتون. أشبعتها النيران حرقاً، فيما السوريون أشد تصميماً على انتزاع حريتهم من براثن هذه الوحوش الكاسرة، المستجلبة من أيران ومن مهاجع أتباعها، تحت شعارات القومية العربية، والعلمنة، فيما إيران نفسها، عميقة الاعتزاز بقوميتها وثقافتها وبأصولية التشيع وليس بالعلمنة ولا بالدولة المدنية، ومعها أتباعها مطيعو مرجعياتهم ذات العمائم السوداء.
في هذا الخضم، لا تغطية تنظيرية، للاستمرار في حرق سوريا، سوى القول الممجوج: "الدفاع عن محور المقاومة والممانعة". ولا نعلم ماذا فعل هذا المحور، وأي مَنعٍ مَنَع، في أوقات رخائه، لكي يمنع في أوقات آثامه وافتضاحه. مَنعٌ واحد لا شيء سواه، هو منع الشعب السوري من نيل حريته حتى الآن. ندعو الله في هذه الليالي المباركة، أن يُجير الشعب السوري الشقيق، وأن يحقق له أمنياته في النصر والحرية!
تعليقات
إرسال تعليق