القائمة الرئيسية

الصفحات

اعترافات إخواني سابق: عصر السادات ومبارك أزهى عصور الجماعة

يلعب محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين السابق، في كتابه "ذكريات محمد حبيب في الحياة والدعوة والسياسة والفكر"، نفس الدور الذي لعبته الجماعة على مدار تاريخها ولا تزال تلعبه، إنه "دور الضحية"، بدءا من الإهداء "إلى الإمام حسن البنا والشهداء الأبرار والمجاهدين في كل ميدان والمرابطين في كل موقع والذين عذبوا في السجون والمعتقلات والأرامل والثكالى والأمهات والأخوات".
ويحاول من خلاله تجميل صورة الجماعة وتنظيمها الدولي، من خلال تأريخ دعوي عاطفي ينأى فيه عن أية أسرار حقيقية تخص الجماعة أو تنظيمها الدولي. يدين فيه بالولاء الكامل لقياداتها وكوادرها. ويدغدغ مشاعر القارئ بحكايات عن التقوى والورع والزهد والعلم والإخلاص الذي يتمتعون به في الجماعة.وتجاهل تماما الرأي الآخر داخل الجماعة وخارجها في القضايا المطروحة خلال الفترات التي تغطي الذكريات. لكن ذلك لا يمنع الكشف عن كثير من مناطق الاختراق والأنشطة التي استطاعت بها الجماعة اختراق المجتمع الطلابي في الجامعات المصرية والمجتمع عامة خاصة في صعيد مصر حيث يزداد إهمال الدولة وتتقلص الخدمات ويصبح الموجود منها في أدنى المستويات، كما يلقي أحيانا بإشارات وانتقادات عامة إلى التركيبة الإخوانية.


منطق خاطئ

يحتفظ حبيب على طول كتابه البالغ 525 صفحة من القطع المتوسط فضلا عن سي دي عليها ملاحق، بكامل الإجلال والثناء والمديح لكل قيادات الجماعة. ويتبرأ من قتلة الرئيس السادات ومن أحداث أسيوط التي وقع خلالها 118 شهيدا من رجال الشرطة، حيث يقول "كان اغتيال السادات عملا غشوما وجريمة نكراء في حق الإسلام وكانت أحداث أسيوط هي الأخرى مأساة بكل المقاييس وأضرت بالدعوة ضررا بالغا".

وهنا لابد من الإشارة إلى أن الجماعة الإسلامية التي قامت بهذه الأعمال الإجرامية الإرهابية وغيرها تشكل الحليف الاستراتيجي للجماعة الإخوانية الآن، حيث يقود كل من عبود الزمر وعاصم عبد الماجد وغيرهما من قياداتها اعتصام كل من رابعة العدوية والنهضة، ويبدو موقف حبيب منها ضعيفا لا يتجاوز الإطار الفكري حيث لا يتجاوز في تأريخه لها ولوجودها في صعيد مصر خاصة أسيوط انتقاده لها بقوله "المتأمل في الشخصيات التي آل إليها أمر الجماعة الإسلامية في أسيوط يجد لها تركيبة نفسية وذهنية وعصبية خاصة، محكومة بطبيعة الحال بالمناخ السائد عند أهل الصعيد في التعامل مع أي مشكلة باستخدام القوة، من منطق خاطئ عن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلا عن ضبابية الرؤية حول فقه الواقع والأولويات والتوازنات والمآلات".

بداية العودة إلى الإسلام

يعتبر حبيب هزيمة 1967 ثم رحيل الرئيس جمال عبد الناصر وتولي الرئيس السادات الحكم خروجا من الغيبوبة إلى اليقظة وبداية العودة إلى الإسلام وعصر الحريات، ويرى أن "الفترة التي تولى فيها أنور السادات رئاسة الدولة شهدت تقدما ملحوظا في مجال الحريات، وكان لذلك أثره على حرب العاشر من رمضان، كانت هناك حركة عامة وتدفق كبير للعمل الإسلامي، شمل العديد من المظاهر، مخيمات لطلاب الجامعات المصرية تحت لافتة الجماعة الإسلامية، محاضرات لكبار الدعاة من الإخوان ومن غيرهم في الجامعات والمساجد في شتى أنحاء مصر، في عواصم المحافظات والمراكز والقرى…


منذ اغتيال الرئيس السادات عام 1981 وحتى أوائل 1984 تم التضيق على جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي ومن بينها الجماعة التي أنشأت مكتبا تنفيذيا تنحصر اهتماماته في عمل الإخوان داخل القطر المصري فقط. ثمّ شهدت الفترة من 1984 حتى 1992 بروزا كبيرا للإخوان حيث شاركوا في انتخابات مجلس الشعب عام 1984 على قوائم حزب الوفد وبدؤوا التفكير في تأسيس حزب سياسي وحققوا انتشارا واسعا في النقابات المهنية ونوادي هيئة التدريس بالجامعات المصرية وسيطروا على اتحادات طلاب الجامعات ووسعوا دوائر الانتشار بين فئات الشعب المصري، لذا لم يكن عهد الرئيس السابق حسني مبارك إلا امتدادا لما نالوه من حرية في التغلغل في المجتمع أثناء حكم الرئيس السادات.

اختراق الجامعات

يفرد حبيب، الذي كان رئيسا لمجلس إدارة نادي أعضاء هيئة تدريس جامعة أسيوط -1985 ـ 1993، بابا كاملا يؤرخ لنوادي أعضاء هيئة تدريس الجامعات المصرية ولوائحها وصداماتها مع السلطة، وهي النوادي التي تم اختراقها بتوظيف وتجنيد أعضائها لنشر واستقبال وترويج فكر الجماعة وأنصارها من جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي، لكنه هنا يحاول إعطاء صور مثالية لعمل تلك الأندية التي كانت وراء مجمل الأحداث التي وقعت في أسيوط وجامعتها في الثمانينات.

كما يخصص حبيب بابا كاملا لعلاقة الإخوان والسلطة في مصر في عصر مبارك، محملا السلطة بالطبع مسؤولية الصدام مع الجماعة التي يرى أنها والسلطة كيان واحد أو كيانان على نفس القدر من القوة بحيث أن المؤثرات الإقليمية والدولية تؤثر فيهما "السلطة والإخوان ككيان ليس معزولا أو منقطع الصلة عما يحدث حوله، داخليا وخارجيا.

تضليل وغموض

يسرد حبيب الوقائع والأحداث بشكل ملتبس غامض خاصة القضايا الكبرى مثل قضية سلسبيل عام 1992 التي تم خلالها ضبط منشورات ووثائق خطة ما أطلق عليه "خطة التمكين"، وأحداث ديروط الطائفية بأسيوط، التي راح خلالها 13 قبطيا ومسلما واحدا، ومسلسل العنف الدموي الذي وقع خلال عام 1993، وهو خلال ذلك كله يحمل الأمن المصري المسؤولية.

ويتبرأ حبيب من قتلة المفكر فرج فودة وينفي ضلوع الإخوان في الأمر، ويشن هجوما حادا على العلمانيين ويصف مقالات الكاتبين المؤرخ والمفكر يونان لبيب رزق وأحمد عبد المعطي حجازي التي نشرت وقتئذ بالترهات، ويسخر من الشيوعيين والناصريين، ويقول إن "هناك من لا يعنيهم أمر الدين كله، فهم يهاجمون فصيل المتطرفين ولكن الهدف الأصيل تخويف فصيل المعتدلين، وهذا يعني إخلاء الساحة لعلمانية الماركسيين والطائفيين والناصريين". ويواصل حبيب هجومه على العلمانيين ويرى "أن انفراد هؤلاء الشيوعيين بساحتنا السياسية ـ رغم زوال نظرياتهم ودولهم في موسكو والقاهرة ـ لن يؤدي إلا إلى المزيد من الاستفزاز".
ويضيف "الفكر الوحيد القادر على مواجهة التطرف والإرهاب الديني، هو الفكر الديني المعتدل والمستنير لأنه يحاربهم بنفس السلاح الذي يستخدمونه دون فهم، يحاربهم بقيم الإسلام ذاتها، وليس بقيم ماركس أو ناصر التي قامت على إرهاب المعارضين واعتقال المخالفين واغتيال المعادين".

تعليقات