القائمة الرئيسية

الصفحات

أفراد عائلة من المذهب الدرزي اقتصوا من شاب سني تزوج ابنتهم بأن قطعوا عضوه التناسلي وهشموا خصيتيه


ضجّ كل لبنان بالخبر: أفراد عائلة من المذهب الدرزي من بلدة في جبل لبنان، اقتصوا من شاب سني من شمال البلد، تزوج ابنتهم غصبا عنهم، بأن قطعوا عضوه التناسلي وهشموا خصيتيه.

ليس في الذاكرة الجماعية اللبنانية حدث انتقامي مورس فيه مثل هذا الفعل، مع أن البلد لم يكن بمنأى عن عنف هائل وقعت خلال حربه الأهلية التي توقفت قبل 23 عاماً.

وإذا كان العنف لصيق أعمال تصل إلى حدود القتل، فإن علنية الفعل ووقوعه في ساحة عامة وعلى مرأى من كل الناس جعل من الجريمة قضية رأي عام فتحت نقاشا كبيرا في البلد الذي يتقاسم الحياة والموت فيه مواطنون ينتمون إلى 18 طائفة تضم مسلمين ومسيحيين وأقليات.

وفي قصة ربيع الأحمد وزوجته ردينة ملاعب كل المكونات التي تجعلها مشوقة جداً، مع أن حبكتها ليست مختلقة وخيالية، بل من صميم يوميات البلد الصغير المعقد.

ماذا حصل؟
القصة باختصار: ربيع، رجل في التاسعة والثلاثين أحب ردينة، الشابة ابنة التاسعة عشرة. حب مستحيل من البداية. ليس لدى الرجل، المسلم السني، مشكلة دينية تمنعه من الزواج من الطوائف الأخرى. لكن الشابة تنتمي إلى طائفة تحرّم على أبنائها وبناتها على حد سواء الزواج من غير الدروز.

سبيلهما الوحيد إلى الإرتباط كان بهروبها من بيت اهلها والارتباط بحبيبها بعقد زواج عند شيخ مسلم، شيعي أو سني لا فرق. والزواج سيكون قانونياً أمام الدولة اللبنانية ما دامت ردينة فوق الثامنة عشرة.

هذا ما حصل، وكان يمكن الحكاية أن تنتهي هنا، مثلها مثل حكايات لا تحصى من حكايات "الخطيفة" اللبنانية، وهي التسمية التي تطلق على زواج اثنين بعدم رضى أهلهما.

لكن ربيع وردينة كانا على موعد مع نهاية مغايرة. فأهل الفتاة طلبوا منهما أن يعودا إلى البلدة للتصالح معهما. اقتنعا وعادا، ولحظة دخولهما البيت، أخذ افراد العائلة الزوجة إلى جهة مجهولة، أما هو فضرب ضربا مبرحاً، قبل أن يجر إلى ساحة البلدة حيث التقطت عدسات الهواتف الخلوية صورا ومشاهد للرجل بينما شقيقا ردينة يقطعان عضوه التناسلي، ويرميانه مضرجا بدمائه.

الأخبار التي تناقلتها وسائل الأعلام اللبنانية لاحقا، والمقابلات التي أجريت مع ربيع نفسه، أكدت أن الرجل نجا في اللحظات الأخيرة من أن يذبح ويعلق على عمود الكهرباء في ساحة القرية.

ما إن انتشر الخبر حتى بات الشغل الشاغل للبنانيين، يتابعونه في نشرات الأخبار ويعبر الكثيرون منهم عن مواقفهم على المواقع الإجتماعية، حيث كان قطع عضو الرجل مادة لتهكم سياسي واجتماعي حيناً، ومجالا لنقاش جدي في البلد محوره هذه المرة الطائفة الدرزية والتعقيد الكبير الذي يحيط بزواج المنتمين إليها من غيرها، وهي تعقيدات ليست دينية فحسب، بل لها جذورها الأخرى بطبيعة الحال.

نقاش درزي درزي

أول من فتح النقاش النائب وليد جنبلاط، الزعيم السياسي للطائفة الدرزية في لبنان، والذي سرعان ما وصف الفعل بأنه "بربري" و"همجي". وطالب جنبلاط المجتمع الدرزي بان يفتح حوارا داخليا حول مستقبل الطائفة. كما طلب من رجال الدين والمثقفين والسياسيين الدروز السعي لإخراجهم من حالة التقوقع والإنغلاق.

النائب وليد جنبلاط وزوجته نورا ونجله تيمور في قصره في "المختارة" اللبنانية، أرشيف
النائب وليد جنبلاط وزوجته نورا ونجله تيمور في قصره في "المختارة" اللبنانية، أرشيف
وهو كلام لا يجرؤ عليه بين الدروز اللبنانيين إلا وليد جنبلاط نفسه، لما له من ثقة بزعامته شبه المطلقة على الطائفة. وهي جرأة دفعته إلى الزواج مرتين من غير الدروز، كما أن تيمور، نجله ووريثه السياسي تزوج إمراة شيعية. ولم يرتفع صوت من داخل الطائفة يعارض الأمر.

لكن رجال الدين الدروز استغربوا الربط بين حادثة بيصور وبين طرح النقاش حول تشدد الطائفة في رفض الزواج من طوائف أخرى.
الطائفة الدرزية لا تعلق المشانق لمن يقرر من ابنائها الزواج من طوائف أخرى. ويجب أن لا تمس كرامة من يقدم على مثل هذه الخطوة أو يساء إليه
سامي ابو المنى
يقول رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز والأمين العام لمؤسسة "العرفان" سامي أبو المنى في حديث إلى موقع "راديو سوا" إن "حادثة بيصور لا تتعلق بالزواج المختلط إلا في جزء يسير منها، وهي قد تحصل بين أبناء الطائفة الواحدة. فالأحمد رجل أربعيني أغوى شابة لم تصل إلى عمر العشرين بعد، واستدرجها وغشها بهوية ليست هي هويته الحقيقية".

وأبو منى الذي يدين ردة فعل أهل الشابة، يقول "إن الطائفة الدرزية لا تعلق المشانق لمن يقرر من ابنائها الزواج من طوائف أخرى. ويجب أن لا تمس كرامة من يقدم على مثل هذه الخطوة أو يساء إليه".

لماذا رفض الزواج المختلط بين الطوائف؟

يعتبر ابو المنى في حديثه لـ"راديو سوا" أنه يحق للطائفة التمسك بخصوصياتها في الإيمان والعقيدة ضمن المذهب الإسلامي كما يحق لها التمسك بالروابط الإجتماعية والعائلية والتقاليد الموروثة التي تحصن الطائفة القليلة العدد والتي لا يتجاوز عدد أبنائها المليون شخصا. والإنفتاح على الزواج "من الطوائف الأخرى يعني ذوبان الطائفة واختفائها".

لكن لهذا التشدد أثره، ولا شك. رشا الأطرش كاتبة وصحافية لبنانية، تقول لموقع "راديو سوا" إن "الضغط الإجتماعي التاريخي الممارس على أبناء الطائفة يجعلهم عاجزين أحياناً عن التفكير باحتمال الزواج من غير ملتّهم".

شيوخ دروز لبنانيون، ارشيفشيوخ دروز لبنانيون، ارشيف
وتشرح الأطرش أن "معظم أبناء الطائفة يعيشون في قرى وبلدات في جبل لبنان، وهو مكان أقرب إلى الريف حيث صلات القربى ليست أقوى فحسب بل هي في معظم الأحيان سلطة قوية ولا تكسر. بهذا المعنى، فإن هروب إمرأة مع رجل ليست إهانة لأسرتها فقط بل للعائلة الكبيرة برمتها، التي قد تقاطع أهل المرأة الهاربة. وقد يصل الأمر إلى مقاطعة العمل الذي ترزق منه هذه الأسرة. وفي حالات معينة وإذا لم تقم الاسرة باعلان براءتها من الإمرأة الهاربة يمكن ألا يصلي المشايخ على الميت فيها، وهو حرمان من حق لا ينسى في القرى، ويبقى كوصمة عار".

والحال، فإن هروب الفتاة يصير فعلاً أنانياً يؤذي أهلها قبل أن يؤذيها هي نفسها. مثل هذا الضغط المعنوي، يجعل نساء تخرجن من الجامعات وأثبتن أنفسهن في المجتمع وسوق العمل، يعدن بلمح البصر إلى كونهن قرويات خائفات على أهلهن من أن ينبذهم المجتمع في حال قررن الزواج من طائفة أخرى.
معظم أبناء الطائفة الدرزية يعيشون في قرى وبلدات في جبل لبنان، وهو مكان أقرب إلى الريف حيث صلات القربى ليست أقوى فحسب بل هي في معظم الأحيان سلطة قوية ولا تكسر
رشا الأطرش
حكاية سعاد

ولأن زواج الدروز من غير مذهبهم ما زال نادرا، فإن كل قصة حب غالبا ما ترتبط بمتاهات عديدة، ونادرا ما تمضي بهدوء.

لكن قصص الزواج المختلط عند الدروز لا تنتهي بكارثة كالتي وقعت في بيصور. تروي سعاد (اسم مستعار) لموقع "راديو سوا" قصتها التي مر عليها أكثر من 10 أعوام. الجامعية العلمانية نشأت في بيت يشبهها. والداها ليسا متدينين وليسا متعصبين طائفيا، ولديهما أصدقاء من كل الطوائف. ولم تكن تظن أنها ستواجه بكل الرفض الذي واجهها به والداها حين قالت لهما إنها ستتزوج من رجل شيعي.

لم يسألا عن اسمه، أو عن عمله، أو عن أي شيء آخر يتعلق به. رُفض طلبها لمجرد أنه شيعي. شقيقها دعمها لكن الرفض كان أقوى. والدها قال لها إنه يريد أن يقبل لكنه عاجز عن القبول بامر ولد وأمضى 60 سنة من عمره وهو يرفضه رفضا مطلقا. والدتها كانت قاطعة في رفضها، ولم يكن لدى سعاد إلا الهروب من البيت.

كانت قد سمعت مخاوف الأم كلها، وأوّلها هاجس موقف الجيران والأقارب من البيت الذي زوج ابنته مثل هذه الزيجة. وأيضا، فإن الأم والأب قد يرفضان رؤية الابنة بعد زواجها، لأنهما ما لم يفعلا ذلك فإن مجتمعهما قد يقاطعهما تماما. كما أن أحدا من الدروز لن يعود يقبل الزواج بشقيقاتها وأشقائها بسببها.

شيوخ دروز من أكثر من جيل، ارشيفشيوخ دروز من أكثر من جيل، ارشيف
بمخاوف كهذه، لا تعود سعاد مسؤولة عن نفسها فحسب. لا تعود فردا. تصير أقرب إلى شجرة مسؤولة عن أغصان عديدة، وكل ما تفعله بنفسها يصيب كل ما في الشجرة.

إلى ذلك، فقد طرح أهل سعاد هاجسا آخر: فالمذهب الشيعي يسمح بتعدد الزوجات، ولا أحد يمنع زوجها من الزواج مجددا. حين وصلت إلى طريق من دون منفذ، تركت البيت وتزوجت حبيبها.

 احتاج الأمر أشهرا من المفاوضات حتى يقبل والدا سعاد بأن تزورهما الابنة مجددا. لكنهما رفضا أن يرافقها زوجها، فرفضت بدورها أن تذهب وحدها. واشترطت، عبر وسطاء، أن يكون معها، وأن يعامل بطريقة حسنة، وإلا فلن تعود. تفوقت عاطفة الوالدين على تقاليد قاسية. وبينما لم تحك الام كلمة واحدة طوال الزيارة الاولى للزوجين، إلا أن الرفض انكسر على الأقل. ولاحقا باتت سعاد وزوجها وأولادها جزءا من العائلة.

أكثر ما تتذكره سعاد من تجربتها كانت تلك الاتصالات الهاتفية من اصدقاء وصديقات من الدروز. كانت اتصالات "سرية" بالطبع، لكنها كانت تهنئها بما فعلت. فقد قامت بما يتمناه الكثيرون والكثيرات من الدروز ولا يجرؤون عليه: حطمت أكبر "تابو" في المذهب.

الزواج المحرّم

لطالما كان المنتمون إلى المذهب الدرزي من الأقليات، وهم ما زالوا كذلك. والمذهب الذي اغلق باب الدعوة إليه بسبب ما تعرض له أنصاره من اضطهاد، لا يقبل بدخول ابناء الديانات الأخرى إليه. هكذا من لم يولد درزيا لن يكون درزيا قط. أما المتزوجون من غير مذهبهم، فإنهم يخرجون من الطائفة التي تخسر واحدا من احتمالات التكاثر.

 تقول الأطرش إن "خروج الابناء بالزواج المختلط من كنف المذهب، لا يبقي الدروز كتلة متراصة، ويفاقم عندهم بالتالي الإحساس العميق بالخطر الذي لا يمكن الاقليات إلا الشعور به".

كذلك، فإن المجتمع الدرزي ما زال بمعظمه، حسب الاطرش "تحكمه تقاليد وأبوية ذكورية صارمة ترى في كل رفض للتقاليد زلزالا يستنفر الجميع لتدارك آثاره وارتداداته".

لكن القرى لا تتسع لا لحاضر الشباب ولا لمستقبلهم. وهم، إذ يغادرون إلى مدن وبلاد أخرى، للعلم أو للعمل تتكشف لهم الاحتمالات الجديدة للعالم الذي لا يقف عند عتبات القرى وعلاقات القربى الضيقة والجيران. ومع ذلك، وبالرغم من قصص عديدة لزيجات مختلطة، إلا أنه، وفي لاوعي الغالبية الدرزية، ما زال محرّما على التفكير فيه.

على أن افرادا كثيرين تجرأوا على الخوض في "المحرّم" ووجدوا انفسهم سعيدين بما فعلوا، ولو قدر لهم ان يعودوا بالزمن إلى الوراء، لارتبطوا بالشخص نفسه. هذا على الأقل رأي سعاد.

تعليقات